خاص هيئة علماء فلسطين

         

دراسة تأصيليّة تحليليّة

“The Combat Doctrine in Islamic Thought: A Foundational-Analytical Study”

إعداد: د: رمضان محمد علي مبروك مطاريد

الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والدعوة

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ـ جامعة قطر

p. o. Box: 2713، Doha – Qatar

tel.: (+974)44034465- Mob.: (+974) 70358185

fax (+974) 44034421
rmatarid@gmail. com ـ ramadan. mabrouk@qu. edu. qa E-mail:

ملخّص البحث

تُبَيِّنُ الدراسة مفهومَ العقيدة القتاليّة في الإسلام، وأهمّيّتها، والأسس التي قامت عليها، وما تميّزت به عن غيرها من خصائص، مقارنة بعقائد الأمم الأخرى في حروبها المدمِّرة، وتأثير هذه العقيدة في سلوك المقاتلين المؤمنين بها. كما تُبَيِّنُ أثرها في تحقيق الأمن المجتمعيّ، والسِّلْم العالميّ، والمحافظة على مبدأ الإنسانيّة؛ باعتبارها قاسمًا مشتركًا بين بني البشر. كما تبرز الدراسة القيم الحضاريّة التي أقرّتها هذه العقيدة، في حال الحرب وبعدها، وأثرها في تحقيق الأمن العامّ للدولة الإسلاميّة؛ متَّخِذَةً المنهج التأصيليّ، والوصفي التحليليّ، مع المقارن، وسيلة للتأصيل والتحليل والمقارنة، كلّ في حينه، رجوعًا إلى المصادر العلميّة الأصيلة التي تستقي منها معارفها، وتحليلًا لها وفهمها بصورة تفصيليّة تؤدّي إلى استكشاف الأسباب الكامنة، والعوامل المؤثّرة، والعلاقات بين المتغيّرات؛ لاستخلاص الدروس والعبر. وخلصت الدراسة إلى أنّ العقيدة القتاليّة للمجاهدين تُمَثِّلُ المرجعية الأولى في الفكر الحربي الإسلاميّ، وما عداها من العقائد الأخرى مهلك للموارد البشريّة، والمادّيّة على السواء.

كلمات مفتاحيّة: العقيدة – القتال؛ الفكر الإسلاميّ؛ الدراسة التأصيليّة.

Abstract

This study explores the concept of combat doctrine in Islam، emphasizing its significance، foundational principles، and distinctive features that set it apart from the doctrines of other nations engaged in destructive warfare. The research analyzes the doctrine’s influence on the conduct of Muslim combatants who adhere to its values، as well as its broader role in promoting social security، fostering global peace، and upholding universal humanitarian principles. Additionally، the study highlights the civilizational values embedded within the doctrine، both during times of war and in post-conflict contexts، and examines their contribution to maintaining public security within the Islamic state. Methodologically، the study employs a combination of foundational (ta’sili)، descriptive-analytical، and comparative approaches، supported by a rigorous examination of primary scholarly sources. Through this methodology، the research identifies underlying causes، influential factors، and interrelationships among key variables، offering valuable insights and lessons. The findings conclude that the combat doctrine embraced by Islamic mujahideen constitutes the primary intellectual framework of Islamic military thought، while alternative doctrines are often detrimental to both human and material resources.

Keywords

combat doctrine; Islamic thought; foundational study; military ethics; peacebuilding.

مقدّمة

من الموضوعات التي حظيت باهتمام كبير من قبل الباحثين في مجال الدراسات الإسلاميّة، العقيدة القتاليّة في التصوّر الإسلاميّ للحرب؛ نظرًا لأهمّيّتها في ضبط سلوك المقاتل المسلم وتوجيهه، إذ تشكّل هذه العقيدة، إطارًا نظريًّا وتطبيقيًّا يستند إلى مرجعيّة أصيلة مستمدّة من التشريع الإسلاميّ، حيث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الجهاد الذي يتجاوز القتال المادّيّ؛ ليشمل أبعادًا روحيّة وأخلاقيّة تهدف إلى تحقيق المبادئ الإنسانيّة السامية، والمقاصد الشرعيّة التي لا تصلح حياة الإنسانيّة إلّا بها، حيث تمثّل هذه العقيدة إحدى الركائز المهمّة التي تحدّد طبيعة القتال ومقاصده وضوابطه. ذلك أنَّ الإسلام لم يشرّع القتال لمجرّد التَّوَسُّع أو الاستعلاء، بل جاء به كوسيلة لحفظ الدين، وإعلاء كلمة الله، وردّ العدوان، وإقامة العدل، ورفع الظلم ودفعه، وحماية الإنسان وجميع حقوقه. وبهذا تُشَكِّلُ هذه العقيدة أساسًا لفهم كيفيّة التعامل مع الحروب والصراعات في التصوّر الإسلاميّ. لا سيَّما، وقد تميّزت بمنهج أخلاقيّ وإنسانيّ متفرّد، يجمع بين القوّة والرحمة، ويقيّد القتال بقيود شرعيّة واضحة تمنع الفوضى والعدوان.

وتنبع أهمّيّة هذه الدراسة من ضرورة تصحيح الصورة المغلوطة عن العقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ، إضافة إلى بيان ما تَمَيَّزَ به الإسلام في تقديم منهج متكامل يحقّق التوازن بين القوّة والأخلاق. كما تتّضح هذه الأهمّيّة، في بيان الأسس الشرعيّة التي قامت عليها هذه العقيدة، وتوضيح خصائصها وسماتها المميّزة لها، والتعريف بأركانها التي تتجلّى في وضوح الهدف، وسلامة المنهج، والانضباط الأخلاقيّ والسلوكيّ، والثبات العقديّ.

وقد جاء البحث في مقدّمة مختصرة ومبحثين، تناولت في المبحث الأوّل: العقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ. والمبحث الثاني: تناولت فيه أهمّ القيم الحضاريّة للعقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ، وفي الخاتمة عرضت أهمّ النتائج والتوصيات.

المبحث الأوّل: العقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ

تمهيد

مَرَّت الدعوة الإسلاميّة بمراحل زمنيّة متباينة في أحداثها، خلال العهدين: المكّي، والمدنيّ، وكان الأمر الموجه للمسلمين في العهد المكّي هو القيام بالطاعات مع الصبر والكفّ عن القتال. قال الله، تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 77]، ثمّ أُذِنَ لهم بعد الهجرة، في القتال، حيث يقول الله، تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحـج: 39]، وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 190]، وقد مرَّت الدعوة في العهد المدنيّ بمراحل كان من أهمّها: مرحلة بناء الدولة، حيث اكتملت أركانها[1]، وبناء الإنسان، وهي امتداد للعهد المكّيّ، ومرحلة الجهاد الحربيّ، الذي أعقبه بناء مجموعة من التّحالفات، مع قبائل العرب الحجازيّة المنتشرة حول المدينة النبويّة، مثل قبيلة: أسْلَم، وغِفَار، وجُهَيْنَة، ومُزَيْنَة، وغيرها من القبائل، التي كانت تربطها بقريش إيلافات[2] تؤمِّن لها طريق تجارتها إلى بلاد الشام. وكذلك الصلح المؤقّت مع كيانات مختلفة من اليهود، والأعراب، ومشركي مكّة، ثمّ مراسلة الملوك والأمراء، خاصّة بعد صلح الحديبية، ثمّ مرحلة تصفية الوجود الوثنيّ في جزيرة العرب، تطبيقًا لقول النبيّ ﷺ: “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”[3]. وفي رواية مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ، قَالَ: “لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ” قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ، قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ”[4]، ولم يَلْحَقِ النبيُّ بالرفيق الأعلى، إلّا وقد دانت العرب بالإسلام، أو دخلت في ولاء كامل معه. وهكذا تجتمع الجزيرة العربيّة لأوّل مرّة في تاريخها تحت لواء سياسيّ موحَّدٍ، وراية واحدة، هي راية الدولة الإسلاميّة.

المطلب الأوّل: مفهوم العقيدة القتاليّة

من المعلوم لدى الأمم، في مجال الحروب والدفاع عن الأوطان، أنَّ لكلّ أمة عقيدتها القتاليّة التي تُعَبِّرُ عن تَصَوُّرِهَا الحربيّ الذي يميّزها عن غيرها. ومن مفهوم العقيدة القتاليّة التي عبَّر عنها بعض رجالاتها: أنّها تمثّل السياسة الحربيّة العامّة التي تنتهجها دولة، أو أمّة ما، في إطار المبادئ الأساسيّة المتعلّقة بشؤون الحرب وغاياتها وطرق إدارتها وإعداد البلاد لها، بهدف تحقيق غايات عقيديّة أو سياسية[5].

وتحدّد هذه العقيدة التوجّه الحربيّ لكلّ دولة، مستقلّة في ذلك عن غيرها، وبذلك تختلف باختلاف الأحوال والأزمنة، فلا يمكن القول بوجود عقيدة قتاليّة موحّدة لجميع الدول[6]. وتحدّد، كذلك، الأسس والمبادئ الرئيسة اللازمة لبناء الإستراتيجيّة الحربيّة وتكوّنها[7]، وقواعد إعداد الدولة للحرب وتنظيم قواتها المقاتلة وتطويرها، وأساليب إدارة الصراع المسلّح، حيث تعنَى بالفكر الحربيّ والتخطيط الإستراتيجيّ للحروب، كما تُعنَى بجانب تنمية مهارات المقاتلين من خلال التدريب والتطوير[8].

 مفهوم العقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ

العقيدة اسم، من الفعل “عَقَدَ”، بمعنى: الشدّ، والربط، والإحكام، والوثوق. وتدلّ على الحكم الذي لا يقبل الشكّ فيه لدى صاحبه. وهي ما يؤمن به الإنسان ويُحْكِمُ عليه قلبه دون شكّ، مثل اعتقاد وجود الله، تعالى[9].

وقد عُرِّفت العقيدة القتاليّة في التصوّر الإسلاميّ بأنّها: الجهاد لله بكلّ ما يملك الإنسان من مال ونفس بعقيدة ثابتة وتفاعل روحيّ وتوجّه صادق، وهدف واضح لا يمكن التخلّي عنه مع الاستعداد الكامل لحمايته والذود عنه، ويجسد هذا الهدف كلّ القيم النبيلة الهادفة كدفاع الإنسان عن وطنه وأمّته دفاع الأبطال الشرفاء. وينطبق هذا التعريف على الأمّة كاملة بجهادها بكلّ ما تملك من إمكانيات ووضعها في فن متكامل لخدمة الأهداف السامية والمقدّسة مع استعدادها للبذل والتضحية[10].

وتعريف آخر يبيّن أنَّ: العقيدة القتاليّة الإسلاميّة هي: الإيمان بقيم سامية، وأحكام تكليفيّة مُلْزِمَة، تنبع من العقيدة الإسلاميّة لا تقبل الشكّ فيها لدى معتقدها، جازمًا بصحّتها، قاطعًا بوجودها وثبوتها. تمثّل هذه القيم منبعًا لإرادة القتال؛ لذا فهي الشعلة التي تضيء قلب المقاتل بنور الإيمان بالقضيّة التي يقاتل من أجلها، والتي تشكّل في نفسه قوّة ذاتيّة تحرّكه إلى الفدائيّة في القتال إلى درجة استرخاص النفس في سبيل تلك القضيّة، وهي التي تتضمّن قواعد إرساء نظريّات العلم العسكريّ وعلوم فنّ الحرب وإعداد الدولة للجهاد في زمن السِّلْم وزمن الحرب. وهي التي توجّه السياسة العسكريّة؛ لتحقيق الغاية من القتال وأهدافه بما تحتويه من آداب للحرب وبما تتضمّنه من توجیهات للقتال[11].

ويمكن استخلاص تعريف للعقيدة القتاليّة من خلال ما سبق ذكره بأنّها: مجموعة القواعد والأحكام والمبادئ المستمدّة من شريعة الإسلام، والتي تحكم سلوك المجاهدين، المقاتلين، في القتال، وتضبط أخلاقهم مع عدوّهم أثناء الحرب، وتبعاتها.

المطلب الثاني: أسس العقيدة القتالية في الإسلام وأهدافها

تُبْنى العقيدة القتاليّة في التصور الإسلاميّ على نصوص الوحي، قرآن وسُنَّة، ومن ثمّ فهي عقيدة إلهيّة في مصدرها، ربانيّة في غايتها، لا تشذُّ عن هذه التعاليم السمحة، التي جاءت لمصلحة الإنسان، والحفاظ على كامل حقوقه، وحريَّته، تجلب له مصلحة دنيويّة، وأخرويّة، وتدفع عنه مضرّة ومفسدة في دنياه وآخرته. بينما تَبْنِي الأمم الأخرى عقيدتها القتاليّة على أمور ترى فيها مصلحتها، تتمثّل في: دراسة التاريخ العسكريّ، أو فنّ الحرب، أو تاريخ حروبها مع أعدائها، والتجارب التي خرجت بها منها، وأصقلت هذا الجانب لديها. وطموحاتها المستقبليّة، والمهامّ التي تتوقّع القيام بها، وتحقيقها جراء الحرب. وكذلك التطوّر العلميّ الذي أحدثته واستفادت منه في الصناعات الحربية خاصّة، ووفّر لها الكثير من أدوات الحرب وتحقيق النصر[12].

وتستند العقيدة القتاليّة في الإسلام إلى مجموعة من الأسس والمبادئ الشرعيّة التي تحدّد الأحكام والأخلاق التي يجب الالتزام بها في القتال. وتُؤَكّد هذه المبادئ أنّ الحرب لا يجوز أن تُخاض إلّا في حالات الضرورة القصوى، مثل الدفاع عن النفس، أو استرداد الحقوق المسلوبة. ويمكن تلخيص الأسس الرئيسة في الآتي:

1. مبدأ التوحيد: في الإسلام، يجب أن يكون القتال في سبيل الله مرتبطًا بتوحيده تعالى، إذ يُعدُّ الجهاد في سبيل الله، جزءًا من العبادة له. وعليه، فالقتال ليس من أجل التوسع أو السلطة، بل هو وسيلة للدفاع عن الإيمان والعقيدة.

2. مبدأ العدالة: القتال في الإسلام مقيّد بمبدأ العدالة. فلا يجوز للمقاتلين أن يبادروا بالظلم، أو بالعدوان، بل يجب أن يكون القتال في إطار الدفاع عن النفس أو المظلومين، ولا يجوز انتهاك حقوق الآخرين أثناء الحرب. وعلى المسلمين الالتزام بالعدالة في تعاملهم معهم، فلا يجوز الغدر أو الاعتداء على غير المقاتلين.

3. الضوابط الأخلاقيّة: الإسلام وضع ضوابط دقيقة تتعلّق بالسلوك أثناء الحرب. من هذه الضوابط: لا يُسمح بقتل النساء أو الأطفال أو الشيوخ أو غير المقاتلين. كما لا يجوز تدمير الممتلكات العامّة أو تلويث البيئة، وهذا يندرج في إطار المعاملة الإنسانيّة للعدوّ.

4. العفو والرحمة: الإسلام يشدّد على أهمّيّة العفو والرحمة، حتّى في حالة الانتصار في المعركة. فالنبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- عند فتح مكّة، عفا عن أهل مكّة وترك لهم حياتهم وأموالهم.

وتهدف العقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ إلى تحقيق العدالة، والحفاظ على النظام العامّ، وحماية الحقوق والكرامة الإنسانيّة. وتختلف، في ذلك، عن العقائد العسكريّة الأخرى وفي عدّة جوانب من أهمّها: أنّ القتال في الإسلام يجب أن يكون دفاعًا عن النفس والعقيدة، وليس من أجل التوسّع أو الهيمنة. وأن يكون في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، لا للعدوان والبغي بغير الحقّ، ولا تقوم على العنف من أجل العنف، كما أنّها تحثّ أتباعها على السلام، والعدالة الاجتماعيّة.

المطلب الثالث: خصائص العقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ

يحرص الإسلام على ترسيخ عقيدة القتال في النفوس من خلال فلسفة “الجهاد في سبيل الله”؛ إذ ينظر إلى المقاتل على أنّه جنديّ من جنود الله، قائم بالحقّ، مؤدٍّ لواجبٍ تعبّديٍّ عظيم. وهذه المهمّة ليست مجرّد عمل عسكريّ، بل هي رسالة إيمانيّة تُنشئ في القلب قوّة روحيّة وسلوكيّة تدفعه دفعًا ثابتًا نحو أحد المصيرين الكريمين: النصر أو الشهادة، محقّقًا معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ [التوبة: 52]، وهو في ذلك يتأهّب للقاء ربّه، مستشعرًا إخلاص التوجّه إليه: ﴿وَعَجِّلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ [طه: 84]، وعلى هذا الأساس، ينطلق الدافع إلى القتال من الإيمان العميق والاقتناع الراسخ، فيغدو عملًا تعبّديًّا يربح به المؤمن دنياه وآخرته، ويغدو ارتباط عقيدة القتال امتدادًا طبيعيًّا لعقيدته الدينيّة.

وتتجلّى عقيدة الجهاد في سبيل الله، وهي جوهر العقيدة القتاليّة في الإسلام بوصفها وحدة متكاملة تجمع بين الجانب المادّيّ العسكريّ المتعلّق بإدارة الصراع، والجانب الروحيّ والمعنويّ الذي يحدّد دوافع الجهاد وأهدافه وغاياته. ومن ثمّ فهي تمتاز بخصائص جوهريّة لا نظير لها في عقائد القتال لدى الأمم الأخرى، ومن أبرزها:

أوّلًا: عقيدة ربانيّة المصدر والمنهج

فشتّان بين ما يضعه البشر حين تقودهم الأهواء والمصالح، وما يصدر عن ربّ البشر الذي لا تُداخل حكمه شهوة ولا ميل. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]
وعليه، فإنّ عقيدة القتال في الإسلام قائمة على العدل والإحسان، لا على البغي والعدوان؛ تجمع بين القوّة والرحمة، وتفرض على المقاتل الالتزام بأقصى درجات الانضباط الأخلاقيّ. فالقتال موجَّهٌ للمعتدين دون المساس بكرامة الإنسان أو ظلم الأبرياء، ممّا يحقّق توازنًا دقيقًا بين الدفاع عن الحقّ والرحمة بالمخلوقات، ويمنع كلّ صور العنف غير المبرَّر.

ثانيًا: عقيدة ثابتة لا تتبدّل بتغيّر الزمان والمكان

فهي ليست قانونًا وضعيًّا يخضع للتحوّلات البشريّة، بل منهجٌ ربانيٌ نابع من الوحي المعصوم؛ لذا بقيت وستبقى عقيدة ثابتة نتيجتها المحتومة إحدى الحُسنيين: الشهادة أو النصر المؤكّد، وصولًا إلى الغاية بأعلى كفاءة، وأقلّ جهد، وفي أوج النزاهة والطهارة القتاليّة.

ثالثًا: عقيدة واضحة الأهداف

غايتها الأولى والأخيرة الجهاد في سبيل الله لتحقيق مصلحة تُجلب أو مفسدة تُدرأ، دون طلب مفاخرة أو رياء أو ثأر أو مغانم. وقد بيّن النبيّ ﷺ معيار الجهاد الحقّ جاء في الحديث الشريف: “مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”[13]، وبهذا المعنى يسمو الإسلام فوق الدعوات الضيّقة التي تبني القتال على الوطنيّة أو العصبيّة، فإعلاء كلمة الله أوسع وأسمى، إذ يشمل كلّ مبدأ كريم وقيمة عليا، ومن قاتل من أجلها فهو على الجادّة، ومن وقف ضدّها فقد خالف نهج الإسلام.

رابعًا: عقيدة تتجسّد فيها مبادئ أخلاقيّة سامية

فالقوّة الأخلاقيّة هي عماد هذه العقيدة، وقد تكفّل الله بدعم المجاهدين وتثبيت قلوبهم، كما قال سبحانه في سياق وعده للمؤمنين بالنصر: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ إلى قوله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: 9–12]، فهذه النصوص ترسّخ أن النصر من عند الله وحده، وأنّ الغلبة ليست بالقوّة المادّيّة مجرّدة، بل بربط القلوب وتعزيز الثبات وبثّ الطمأنينة.

خامسًا: عقيدة صالحة لكلّ زمان ومكان

فهي جزء من رسالة الإسلام الخالدة، وشريعته التي لا تتبدّل، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ: 28]، وعليه فهي منهج عالميّ تُطبّق أحكامه وقيمه في كلّ العصور والمجتمعات دون أن تفقد صفاءها أو مقصدها.

سادسًا: عقيدة مرتبطة بتعاليم الإسلام وأحكام شريعته

فالإسلام بأصوله القطعيّة وفروعه المحكمة منظومة متكاملة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. وهذا الارتباط يجعل عقيدة الجهاد خطّ الدفاع الأوّل عن الأمّة، ودرعًا لرسالتها الخاتمة، ويغرس في المؤمنين إرادةً صلبة تتغلّب على أهواء النفس ونزعاتها، وتُعلي الهدف الأسمى: إعلاء كلمة الله كما تقوم هذه العقيدة على مبادئ إنسانيّة راقية؛ فتحرّم قتل الأبرياء، وتشترط أن يكون القتال لأغراض نبيلة تحفظ الحياة وتحقّق العدالة، لا لمطامع سياسيّة أو توسّعيّة. ومن ثمّ فالقتال في الإسلام وسيلة لتحقيق الحقّ لا غاية عدوانيّة.

سابعًا: عقيدة عادلة في غايتها ووسيلتها

فالشرع الإلهيّ بخلاف السياسات البشريّة منزّه عن الأهواء والمصالح الذاتيّة، وقد أمر الله تعالى بالقتال للدفاع لا للاعتداء، فقال: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]، وعليه فإنّ الإسلام يطهّر العقيدة القتاليّة من دوافع التفاخر والغلبة، ويرفعها فوق الأغراض التافهة، محافظًا على قدسيّة النفس البشريّة، فلا تُبذَل إلّا في سبيل أهداف عظيمة ومقاصد سامية[14].

يوضّح جارودي، سبب التمدُّد الإسلاميّ السريع، جغرافيًّا، فيقول: “إنّ سبب هذا الانتشار السريع يرجع إلى أسباب داخليّة مرتبطة بجوهر الإسلام نفسه، ولا يمكن تفسيره بأسباب خارجية، أو حتّى بضعف أو تفكّك الإمبراطوريّات المهزومة مثل: الرومانيّة في الشرق، والفارسيّة وقبائل القوط الجنوبيّة في آسيا الوسطى، ولا حتّى لأسباب عسكريّة فقط”[15]. يقصد بذلك: تعاليم الإسلام السمحة التي تناسب الفطرة الإنسانيّة السليمة، وتعمل على حفظ حقوق الإنسان وكرامته، وعلوِّ مكانته.

استشكال والرد عليه

في كتابه “إشكاليات الفكر العربّي المعاصر” يشير الجابري، إلى أنّ “النهضة العربية الأولى التي انطلقت بظهور الإسلام، لتفتح البلدان المجاورة، ولتُشَيِّدَ حضارة عربيّة إسلاميّة متميزة، إنّما قامت بعد أن استنزفت الحرب الطويلة كُلًّا من دولة الفرس، ودولة الروم”! أو لسبب آخر وهو ما أسماه بوجود “ما يشبه الفراغ السياسيّ في المنطقة”[16]. ويرفض، الجابري، أن يكون لمنظومة القيم الإيمانيّة، التي أصَّلَهَا الإسلام في وجدان المقاتلين، دور في الفتوح الإسلامية. وهو في ذلك ليس استثناءً؛ إذ إنّ نفرًا من الباحثين العرب العلمانيّين يذهبون إلى ما ذهب إليه[17].

ولعلّنا نسأل: هل هذه هي الحقيقة الوحيدة في نهضة الماضي كما يزعم المبطلون؟!

والجواب: إنّه لمن الثابت أنّ العقيدة القتاليّة في الفكر العسكريّ الإسلاميّ تعتمد على ركيزتين هما: فهم أبعاد الواقع الذي تُدَارُ المعركة في كَنَفِهِ، مع المخزون الإيماني المتجذّر في الوجدان الجمعيّ للأمّة واستيعابه، والذي يعدُّه الإسلام العامل الأكثر حسمًا في توجيه مسار الحرب إمّا نحو النصر، وإمّا نحو الهزيمة. ولئن كان الخطاب القرآنيّ يعلي من شأن فهم أبعاد الواقع واستيعابه، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [الأنفال: 60]. وكذلك كان النبيّ، القائد، ﷺ، مُؤَصِّلًا لهذا المفهوم على الصعيدين السياسيّ والعسكريّ حين أبرم عقود البيعة “بيعة العقبة” وعقود الصلح “صلح الحديبة”، وفاوض قادة “غطفان” و “نجد” في غزوة الأحزاب، واختار موقع نزول الجيش يوم “بدر” بعد إعمال أساليب استثمار الخصائص البيئية والجغرافيّة للموقع عسكريًّا امتثالًا لموقفه، ﷺ، من مشورة الحباب بن المنذر له في غزوة بدر الكبرى، ولقوله له: “بل هو الرأي والحرب والمكيدة”[18].

ولئن كان الأمر كذلك، فإنّه في الوقت نفسه، يرفض الاعتقاد بأنّها المعيار المطلق، أو القيمة المُثْلَى التي يستند إليها في استشراف ما ستؤول إليه الأوضاع بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ومن هذا يتّضح أنَّ العقليّة العسكريّة الإسلاميّة شديدة الخصوصيّة والتميّز، عن نظيرتها المصوغة وفق معايير ونظم مادّيّة إلحاديّة محضة؛ إذ تنزع العقليّة العسكريّة الإسلاميّة إلى رفض الانصياع الكامل لسلطة التفوّق العسكريّ بوصفه شرطًا ينفرد وحده في توجيه مسار الحرب؛ حيث تؤمن بأنّ إلحاق الهزيمة بالعدوّ ليس مُنَاطًا بالفلسفة الكَمِّيَّةِ وحدها، ولكنّه مُنَاطٌ بربط الأخيرة بهذا الثابت القرآني الخالد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7] فهي تجمع بين ما هو موضوعيّ المتمثّل في التوظيف الإستراتيجيّ للواقع، وما هو إيمانيّ في عقيدته القتاليّة، وهو ما يفسّر انتصارات الإسلام المتلاحقة حتّى وإن كان يتبوّأ موقع الاستضعاف، وعدوه يتبوّأ موقع القوّة والتمكين. ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26].

          كما أنّها تؤمن بأنَّ التأييد من قِبَلِ الله مرهونٌ باستيفاء ما أشار إليه القرآن الكريم، والسنّة المطهّرة من شروط، والتي يمكن إجمالها في أنّ الحرب في التصوّر الإسلاميّ تستقي مشروعيّتها من إعلاء كلمة الله، وإخلاص النيّة له في ذلك، وفق الضوابط الأخلاقيّة التي أصَّلها الإسلام فيما يمكن تسميته بـ “أخلاق الحرب وآدابه”.

ومن ثمّ فإنّ محاولات تزييف التاريخ الإسلاميّ من خلال “التفسير الطبقيّ للفتوح” أو علمنته من خلال تهميش الدور الطليعيّ للدين في نهضة الماضي إنّما ينطلق من وعي يفتقر إلى الحِسِّ التاريخيّ الناضج القادر على سَبْرِ غَوْرِ الحقائق التاريخيّة في أنها رُؤَى تَتَّخِذُ من الظاهر فقط مادّتها التحليليّة[19]. وصدق الله، تعالى، إذ يقول: “يَعْلَمُونَ ظَٰاهِرًا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلْآخِرَةِ هُمْ غَٰفِلُونَ” الروم: 7.

لقد شهد غير المسلمين بأثر العقيدة الحربيّة الإسلاميّة التي غرسها رسول الله ﷺ في نفوس المجاهدين المسلمين، حيث كان لها الأثر الكبير في تحقيق النصر، وتوسّع الفتوحات الإسلاميّة.

وقد اعترف نفر من الغربيّين بأنّ العقيدة الإسلاميّة، هي المحرّك الأقوى، الذي دفع العرب إلى ما وصلوا إليه من الفتوحات الإسلاميّة. يقول منتوجمري: “فقد كان العرب يندفعون نحو القتال ويحرّكهم أقوى دوافع الحرب ألا وهو الإيمان والعقيدة… وأدّى هذا إلى اعتناقهم مبدأً صلبًا هو الجهاد في سبيل الله، وقد تغلغل هذا المبدأ في قلوب أتباع الرسول ﷺ”[20].

المطلب الرابع: دور العقيدة القتاليّة في الحفاظ على حياة المقاتلين

تهتمّ العقيدة القتاليّة في الإسلام بالمقاتل اهتمامًا كبيرًا؛ وذلك لقدسيّة الروح المسلمة عند الله تعالى؛ لأنّه خلق لغاية عظمى، وهي (عبادة الله تعالى)؛ لذا كان الوعيد الشديد لمن اعتدى على هذه النفس ظلمًا وعدوانًا أن يذيقه في الآخرة عذابًا عظيمًا. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].

والقائد المسلم المحنَّكُ هو الذي لا يفرّط في تقديم الخسائر بالأرواح عبثًا، فقد كان القادة المسلمون يحرصون على أرواح المجاهدين، وقد كانوا يتعرّضون للخطر، ويقدّمون أنفسهم، ويؤثرون رجالهم بالأمن”[21]. ولنا في رسول الله، ﷺ، المثل الأعلى والقدوة الحسنة، في توفير الأمن للمواطن، واهتمامه المباشر في هذا الجانب، فكان السبّاق إلى فرض الأمن واستتبابه في المدينة، وذلك عندما انطلق مسرعًا ليستطلع صوتًا غريبًا سمع في المدينة، فيلحق به الصحابة رضوان الله عليهم، ليستطلعوا الأمر، فيقابلهم النبي، ﷺ، ليطمئنهم ويأمرهم بالعودة لطمأنة الناس. “وقد قدّم رسول الله، ﷺ، بنفسه مثلًا على درجة الاستعداد العالية، حينما سبق أهل المدينة جميعًا ذات ليلة إلى مصدر صوت قويّ غير عاديّ أفزعهم، فانطلق بعضهم نحو الصوت، فإذا هُمْ برسول الله، ﷺ، مقبل من مكان الصوت، راكبًا فرسًا عاريًا، والسيف في عنقه، وهو يقول: “لن تراعوا[22][23].

كما حرصت العقيدة القتاليّة الإسلاميّة على سلامة جنودها، وتوفير كلّ الإمكانيّات العسكريّة، واللوجستيّة لحمايتهم، فطريق الدعوة طويل شائك، محفوف بالمكاره.

وممّا تقدّم يمكن القول: إنّ الإسلام قد جمع في القرآن والسنّة الصحيحة بين النظريّة والتطبيق، في تحديد هذه العقيدة القتاليّة وفي ممارستها، كما استمرّ الخلفاء الراشدون -رضوان الله عليهم- بعد النبيّ ﷺ في تطبيق هذه العقيدة، حتّى تمكّنوا من تحقيق الانتصارات في تاريخ الأمم[24].

المطلب الخامس: التربية الإيمانيّة وأثرها في تكوين العقيدة القتاليّة

من أهمّ الأولويّات الحربيّة لدى القيادة العسكريّة، الإعداد الإيمانيّ للمقاتل، حتّى يكتسب عقيدة قتاليّة صلبة، ويتمتّع بنفسيّة قويّة يستطيع بها أن يصمد في المعركة، ويقوم بواجبه القتاليّ خير قيام، وإن قَلَّت الإمكانيّات المادّيّة، أمّا إذا انهارت هذه العقيدة وتحطّمت النفوس المقاتلة، مع وجود ترسانة حربيّة من السلاح والعتاد، فالهزيمة حتمًا ستكون هي الشعار المرفوع في ميدان المعركة.

والإعداد الإيمانيّ من أهمّ عوامل النصر في المعارك؛ إذ الإعداد الصحيح، والإيمان العميق لدى المقاتلين في هذا الجانب؛ يرفع من الروح المعنويّة لدى المقاتلين، ويعظّم من شأن الهدف الذي يقاتلون من أجله[25].

وأوّل خطوة على طريق الإعداد هي التربية الإيمانيّة. فحين أمر الله المؤمنين بالجهاد، سبقه الحديث عن الإيمان، وجعله شرطًا له، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾ [الصف: 10-11]، فأثبت لهم عقد الإيمان أوّلًا. “تؤمنون بالله” وبعد تحقيق الإيمان بالله يكون الجهاد في سبيله؛ إذ ليس من الممكن أن يرفع السيف من لا يعرف الله، وأصحاب النبيﷺ إنّما انتصروا بالإيمان. ومن ثمّ كان للاستعداد النفسيّ والمعنويات العالية، أثر إيجابيّ للعقيدة القتاليّة في الإسلام؛ لذا نجد المقاتل المسلم يتمتّع بمعنويّات قويّة وإرادة صلبة بفعل عقيدة الإيمان المنغرسة في أعماق قلبه، والتي تسيطر على جوارحه، وتدفع به نحو الهدف النبيل الذي يقاتل من أجله.

“لقد استطاع الرسول، ﷺ، باهتمامه بهذا الجانب من الإعداد أن يصل إلى درجة جعلت هؤلاء العرب… قوّة خطيرة انطلقت في كلّ اتّجاه ترفع كلمة الله، وتُعلي راية التوحيد”[26]. فكان ﷺ يَحُضُّ أصحابه على البذل في سبيل الله، ويُحَرِّضُهُم على القتال، كما أمره الله تعالى، بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: 65] مقابل جنّة عرضها السماوات والأرض، ويحثّهم على الإقدام والشجاعة في مقارعة أعداء الله، فكتاب الله، وسنّة رسوله ﷺ من أهمّ المصادر التي تعتمد في التحريض وشحذ الهمم على القتال، حيث تعدُّ أكثر الوسائل تأثيرًا في النفوس المؤمنة. وأفضل طرق التربية النفسيّة للمقاتل المسلم، اتّباعه نهج القرآن الكريم، حيث بيّنت آياته أسس إعداد نفس المؤمن؛ لتقبل تكاليف السماء بأفضل أسلوب[27].

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 111]، فهذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات الكثيرة، تحضّ المؤمن على شراء جنّة عرضها السماوات والأرض، مقابل استعلاء بالنفس عن كل علائق الدنيا وملذّاتها.

كما حذّرت آيات أخرى، من التخاذل والتقاعس عن نصرة دين الله، أو القعود عن الجهاد، ممّا يعطي المؤمن الشحنة القويّة في عدم التخلّف عن الزحف قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال: 15، 16] والآيات التي تتناول جانب التعبئة الجهاديّة وإعداد المعنويّات إعدادًا يناسب قوّة التحدّي وضراوة الصراع بين الإيمان والكفر، كثيرة وبأساليب متعدّدة تناسب المقام.

وقد كان لتوجيهات رسول اللهﷺ ووصاياه عظيم الأثر في شحن نفوس المقاتلين ورفع الروح المعنويّة عندهم، ومنها: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، بسنده، عن أَنسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: “فَانْطَلَقَ رَسولُ اللهِ، ﷺ، وَأَصْحَابُهُ حتَّى سَبَقُوا المُشْرِكِينَ إلى بَدْرٍ، وَجَاءَ المُشْرِكُونَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنكُم إلى شيءٍ حتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ، فَدَنَا المُشْرِكُونَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ، ﷺ: قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ، قالَ: يقولُ عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ[28]: يا رَسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقالَ رَسولُ اللهِ، ﷺ: ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قالَ: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا، قالَ: فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا، فأخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِن قَرَنِهِ[29]، فَجَعَلَ يَأْكُلُ منهنَّ، ثُمَّ قالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قالَ: فَرَمَى بما كانَ معهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حتَّى قُتِلَ”[30].

إنها التربية الواعية في رفع الروح المعنويّة لدى المقاتلين، فهذا عمير بن الحُمام -رضي الله عنه- يسمو بروحه إلى الملأ الأعلى، في لحظاته الأخيرة من عمره، بروح قتاليّة صغرت أمامها قمم الجبال، تلكم التربية النبويّة التي نشأ عليها صحابة رسول اللهﷺ الذين دانت لهم البلاد، وأصبحوا سادة العرب والعجم.

وقد حرص الإسلام في تشريعه للجهاد، على إعداد الروح المعنويّة للجيش إعدادًا خاصًّا، حيث يحدّد هذا الإعداد حصد النتائج بعد التوكل على الله تعالى؛ ذلك أنَّ المعنويّات العالية من أهمّ مزايا الجيوش ذات القيمة القتاليّة الرفيعة، كما أنّها من أهمّ مبادئ الحرب[31]. وقد اهتمّ القادة المسلمون بالإعداد المعنويّ اهتمامًا بالغًا، إذ كانوا يضعونه في مقدّمة واجباتهم في الإعداد للمعركة… فهذه صفات المقاتلين النابعة من التربية الإسلاميّة، وهي سر نجاحهم في فتوحاتهم الواسعة في أرض الله سبحانه[32].

وقد أثمرت التربية النبويّة للصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- فجعلت منهم القادة الذين خلَّد التاريخ ذكرهم في مجالات كثيرة، كالحكم والقضاء، والسياسة والاقتصاد، أمّا القادة في ميدان المعركة، الذين فتحوا البلاد والأمصار وانتشر ذكرهم في الآفاق، فقد كتبت فيهم المؤلّفات العسكريّة، وفتحت بأسمائهم الكلّيّات الحربيّة في كثير من ربوع العالم الإسلاميّ، وهذا بفضل هذه العقيدة التي حملوها في صدورهم.

ويستعرض هذا الحديث النبويّ تأثير العقيدة الإسلاميّة على النفوس، حيث هانت دونها الدماء والأرواح، لتبقى شامخة راسخة، تتوارثها الأجيال بكلّ عزّة وانتصار.

روى البخاري في صحيحه بسنده عن خباب بن الأرتّ قال: “شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِﷺ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ” [33].

المطلب السادس: أثر العقيدة القتاليّة في توفير الأمن للدولة الإسلاميّة

للعقيدة القتاليّة في التصوّر الإسلاميّ دورها الفاعل، وأثرها الواضح في توفير الأمن للدولة الإسلاميّة، داخليًّا وخارجيًّا، حيث العلاقة القويّة بين الإيمان بكامل أركانه، وبين المبادئ التي بنيت عليها العقيدة القتاليّة من جهة، واستقرار الدولة وأمنها من جهة أخرى.

ولا تُفهمُ العقيدة القتاليّة في السياق الإسلاميّ فقط على أنّها الجانب العسكريّ، بل تشمل، الإيمان العميق بعدالة القضيّة، والولاء لله ولرسوله ولأمّة الإسلام، والالتزام بالقيم والأخلاق الإسلاميّة في الحرب، كالعدل، وعدم الغدر، وعدم قتل الأبرياء.

وللعقيدة القتاليّة أثرها الإيجابيّ على أمن أفراد المجتمع، وحدود الدولة الإسلاميّة، والذي يتمثّل في تعزيز الروح المعنويّة للمجاهدين، حيث تُحفِّزُ هذه العقيدة، المستمدّة من الإيمان بالله، المجاهد على الثبات والصبر في ميدان المعركة، وتعطيه دافعًا داخليًّا للتضحية، مما يُصَعِّبُ على الأعداء كسر إرادته. كما تعوّده على الانضباط والالتزام، حيث تُرسّخ قيم الطاعة والانضباط داخل الصفوف، ممّا يُقلل الفوضى والتمرّد. والجيش المنضبط يُسهم في الحفاظ على الأمن الداخليّ ومنع الفتن.

وتعمل العقيدة القتاليّة على تحقيق الردع والمحافظة على هيبة الدولة وسلطتها، ذلك أنَّ قوة العقيدة القتاليّة تؤدّي إلى بناء جيش قويّ في عقيدته وفي وسائل عتاده، وهو ما يحقّق الردع للأعداء. والدولة ذات الجند المؤمنين المخلصين تفرض احترامها في محيطها، ممّا يقلّل من التهديدات، ويعمل على الوحدة والتماسك الداخليّ حيث تجمع هذه العقيدة بين الأفراد على أساس الدين، لا العِرق أو القبيلة. وهذا التماسك يُقلّل من خطر الانقسام الداخليّ، ويعزّز أمن المجتمع. ويعدّ تحقيق العدل في القتال والالتزام بأحكام الجهاد في الإسلام مانعًا للتعدّي والظلم. وهذا بدوره يعزّز صورة الدولة الإسلاميّة، ويُقلّل من التمرّدات الداخليّة، ويزيد من الولاء الشعبيّ لها[34].

والتاريخ الإسلاميّ حافل بالنماذج الواقعيّة التي تؤكّد ذلك، ومنها ما كان في زمن النبوّة الأولى، وعصر الخلافة الراشدة، حيث كان الجيش الإسلاميّ، آنذاك، صغيرًا من حيث العدد، لكنّه عظيم العقيدة، وقد حقق الأمن والاستقرار للدولة ولأفراد المجتمع المسلم. وهو ما كان في معركة اليرموك والقادسيّة، حيث يُظهر التاريخ كيف تغلّب جيش صغير مؤمن على جيوش تفوقه عددًا وعُدَّةً.

ومن ثمّ يظهر أثر العقيدة القتاليّة الإسلاميّة في تعزيز الروح المعنويّة والانضباط العسكريّ حيث تُسهم في رفع الروح المعنويّة للمقاتلين من خلال إيمانهم بأنّهم يدافعون عن دينهم وأمّتهم. هذا الإيمان يعزز الانضباط والالتزام بالأوامر العسكريّة، ممّا يؤدّي إلى تشكيل قوّة عسكريّة منظّمة وفعّالة.

وتسهم في تطوير إستراتيجيّات الردع والدفاع، إذ تستند الإستراتيجيات الدفاعيّة في الدولة الإسلاميّة إلى مبادئ العقيدة القتاليّة، حيث يتمّ التركيز على بناء قوّة عسكريّة قويّة لردع الأعداء المحتملين.

كما تُشجّع العقيدة القتاليّة الإسلاميّة على استخدام أساليب الحرب غير التقليديّة، مثل حرب الأفراد، أو ما يسمّى بالخلايا الجهاديّة، وكذلك العمليّات الاستشهاديّة، كوسائل لمواجهة الأعداء المتفوّقين تقنيًّا وعدديًّا. هذا النهج يهدف إلى إضعاف العدو من خلال استنزاف موارده، ونشر الخوف في صفوفه. وتُقدّم العقيدة القتاليّة الإسلاميّة إطارًا لإدارة المناطق التي تعاني من الفوضى، من خلال فرض النظام وتطبيق الشريعة الإسلاميّة، ممّا يسهم في استعادة الأمن والاستقرار.

 المطلب السابع: العلاقة بين العقيدة القتاليّة والإستراتيجيّة الأمنيّة

من المقرّر أنّه لا يمكن أن تكون العقيدة القتاليّة بديلًا عن التخطيط للحرب، والأخذ بالأسباب المادّيّة، وقراءة أرض المعركة وملابساتها، إنّما هي ركيزة أساسيّة له، إذ إنَّ تَوَفُّرَ الأمن، لا يمكن تحقيقه، فقط، بتوفير السلاح والآلة الحربيّة، بالغة ما بلغت، بل من خلال وجود عقيدة تحمي القيم، وتبني جندًا يضع الأمن العامّ للدولة، داخليًّا وخارجيًّا، فوق مصالحه الشخصية.

وخلاصة القول: تُعَدُّ العقيدة القتاليّة في الفكر الإسلاميّ، درعًا معنويًّا وماديًّا للدولة الإسلاميّة، حيث تُسهم في تحصين الدولة، وغرس قيم العدل والانضباط، وتعزيز الترابط والوحدة الوطنية والدينيّة. كما تُعدُّ عاملًا جوهريًّا في تعزيز الأمن والاستقرار داخل الدولة الإسلاميّة، حيث تستند إلى أحكام الشريعة الإسلاميّة التي تنادي بالأمن والسلم المجتمعيّ، وتعزّز من شأنه، من خلال تشريعاتها، التي تؤثّر بشكل مباشر على التنظيم الحربيّ، والإستراتيجيات الدفاعية، والسياسات الأمنية للدولة[35]. ​ كما تُشكّل العقيدة القتالية الإسلامية عنصرًا حاسمًا في بناء الأمن داخل الدولة الإسلامية وتعزيزه، من خلال تأثيرها على الروح المعنوية للمقاتلين، وتطوير الإستراتيجيات الدفاعية، وإدارة المناطق غير المستقرة. ومع ذلك، يتطلب تطبيق هذه العقيدة فهمًا دقيقًا وتفسيرًا معتدلًا لتجنب التحديات المرتبطة بالتطرف والتفرقة الطائفية، ​ومن التحديات الكبرى التي يمكن أن تواجهها العقيدة القتالية الإسلامية، أن يتم تفسيرها بطرق متشددة تؤدي إلى تبرير أعمال العنف والإرهاب، مما يهدد الأمن الداخلي والدولي. كما أنَّ تطبيقها بشكل يميز بين الطوائف والمذاهب قد يؤدي إلى زيادة التوترات الداخلية وتهديد الوحدة الوطنية.

المطلب الثامن: فروق وآثار بين العقيدة القتالية في الفكر الإسلامي وغيرها من العقائد

سبق وأن تمت الإشارة إلى أنَّ العقيدة القتالية في الفكر الإسلامي، تختلف عن غيرها من العقائد الأخرى في المصدر والخصائص، وفي الآثار المترتبة عليها أثناء الحرب وبعدها، وهذه مقارنة بينها وبين غيرها، تبرز تفوقها وتميزها فيما سبق.

(أ) الفرق بين العقيدة العسكرية، والعقيدة القتالية في الفكر الإسلامي

العقيدة العسكرية للدولة هي السياسة العسكرية المميزة عن وجهات النظر الرئيسية لدولة ما، والمتعلقة بالمسائل، والقواعد الأساسية “النزاع المسلح”، والمتضمنة لطبيعة الحرب من وجهة نظرها، وطرق إدارتها، والأسس الجوهرية لإعداد البلاد والقوات المسلحة لها[36].

وتختلف العقيدة القتالية في الإسلام، عن العقيدة العسكرية التي تتبناها الدول الحديثة، في الأمور الآتية:

  1. تهتم العقيدة العسكرية بتحقيق النصر باستخدام الوسائل المتاحة كافة، بينما تضع العقيدة القتالية في الإسلام حدودًا شرعية تتعلق بالأخلاق والمبادئ الدينية، وتحظر بعض الأساليب المنهي عنها، مثل الهجوم على المدنيين.
  2. تهدف العقيدة العسكرية إلى الهيمنة والتوسع، ظلمًا وبغيًا، بينما تهدف العقيدة القتالية، في المنظور الإسلامي، إلى الدفاع عن الحق والعدالة.
  3. تفتقر العقيدة العسكرية إلى القيم الأخلاقية، فآلة القتل لا حدود لها، ولا ضوابط أمام تحقيق أطماعها، بينما تلتزم العقيدة القتالية الإسلامية بالقيم الإنسانية الحضارية، فتجعل للقتال هدفًا، وهو حماية الإنسان، والحفاظ على حياته وكرامته. [37]

 (ب) الفرق بين العقيدة القتالية في الإسلام والعقيدة القتالية في الفكر الغربي

يختلف الفكر الغربي عن التصور الإسلامي للعقيدة القتالية. في حين أن الكثير من الدول الغربية تعد الحرب أداة للسيطرة والتوسع؛ لتحقيق أطماعها، واستعباد الشعوب، ونهب الثروات والموارد، فإن العقيدة القتالية في الإسلام تَعُدُّ الحرب وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وردع الظلم، ودف العدوان.

وفي حين يروِّجُ الفكر الغربي في بعض الأحيان للحروب من أجل الهيمنة والسيطرة، يشدد الإسلام في تشريعاته، التي تتسم بطابع الإنسانية، على الدفاع فقط، دون الاعتداء.

وفي حين يتجاهل الفكر الغربي حقوق الأسرى والمدنيين في زمن الحرب، فيحرمهم أدني حقوقهم، وينكل بهم، تحث تعاليم الإسلام على إكرامهم وتحصين حقوقهم كاملة غير منقوصة.

تلك هي المفارقات بين العقيدتين من حيث الأساس، والأحكام، والآثار، ويا ليت قومي يعلمون[38].

المبحث الثاني: القيم الحضارية للعقيدة القتالية في الفكر الإسلامي

تمثل القيم الحضارية للعقيدة القتالية في الإسلام منظومة أخلاقية وإنسانية متميزة، ترتكز على مبادئ العدل والرحمة والكرامة الإنسانية، وتتجاوز المفهوم البدائي أو العدواني للحرب. هذه القيم مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد تجلت في السلوك العسكري للمسلمين الأوائل، مما ساهم في تأسيس نموذج حضاري راقٍ في العلاقات الدولية، حتى في زمن الحروب[39].

المطلب الأول: مفهوم القيم الحضارية

تتعلق مادة (قيم) بعدة معان، تدور حول: قيمة الشيء وقدره أو مقداره، والتقويم والاعتدال، والاستقامة وعدم الميل، والثبات والتحكم في الأمور[40].

و”القِيَم” بهذا الاعتبار، مفهوم جامع لكثير من المعاني والدلالات، التي تسوِّغ إطلاقه على: كل ما من شأنه أن يمثِّل “معيارًا” و”ميزانًا” يتحرك من خلاله الإنسان، ويتصرف، وعيًا وسعيًا، بوحي من إشاراته وتوجيهاته، بحيث تكون هذه الحركة في استقامة وثبات، وبه يكون لهذه الحركة قَدْرُها وفاعليَّتُها[41].

والقيم، كذلك، بوصفها: ضوابط حاكمة، ومعايير للسلوك الإنساني، من حيث القبول والرفض، والتحسين والتقبيح، والخيرية وضدها، والأمر والنهي، لا بد من أن يكون مصدرها الشريعة الإسلامية، أو على الأقـل، لا تتقاطـع معـها بـحال، فلا المـدركات الحسـيـة، ولا المنـفعة أو الفـائـدة، ولا العقـل المجـرد، ولا غيـر ذلك مصـدرًا للقيم في الإسلام[42].

وحين نتلمس هذه القيم من خلال الوحي ونستلهمها منه، ونؤصِّل لها بالرجوع إليه، حينئذٍ سنقف على مدى أهميتها في حياتنا، وتستقر في أفئدتنا، وتمنحنا العزيمة الصادقة، والإرادة القوية على التَّخلُّق بها، مذعنين لها، عملًا وتطبيقًا، تعليمًا وتذكيرًا، دون الحاجة إلى تلمُّسها من ثقافات أخرى، لا صلة لها بوحي السماء، فتتشعب بنا السبل، وتتفرق بنا المناهج شرقًا وغربًا، والمحصلة إخفاقات في شتى مجالات الحياة، وتخبط في الوصول إلى الغايات المنشودة[43].

مفهوم الحضارة:

أما مفهوم “الحضارة” فهو من مادة: “حضر”، وتتعلق بعدة معانٍ، ترجع كلها إلى أصل واحد، وهو: “شهود الشيء، وإيراده، ومشاهدته”[44].

ويمكن القول بأن الحضارة، في المجمل، هي مُحَصِّلة ما أنتجه الإنسان بفكره وجوارحه، في زمان موقوت، ومكان محدود، من أمور مادية ومعنوية، مثل، الأفكار والمفاهيم والنظريات والقيم والعادات، والفنون، والمعارف، وكل وسائل الحياة المادية بتنوعها، التي تدخل في تكوين حضارة الشعوب. فالحضارة هي ثمرة الجهود البشرية ومحصلة نشاطاتها المتنوعة في ميادين الحياة كافة. وتسهم عوامل كثيرة في بلورة شخصيتها، وتكوين ملامحـها، وتحـديد طبيعة هويتها، ولعل الدين والبيئة، أهم هذه العوامل قاطبة[45].

و”الحضـارة” باعتبار، اشتقـاقها من مطلق الحضور، يراد بها: كل حضور في الواقع، رام “تحريك الحياة” بكل أبعادها وامتداداتها، وعيًا وسعيًا، من خلال تحيُّزاته وأنساقه المعرفية (مصطلحاته ومفاهيمه النابعة من رؤيته للإنسان وعلاقته بالكون وعالم الأشياء من حوله) ثم سعى إلى تقديم هذا الحضور، بأنساقه وتحيُّزاته، على أنه نموذج قياسيٌّ للبشرية كلها، وبمعنى آخر، إن الحضارة هي: كل حضور يحرك الواقع نحو معياره، بكل تحيُّزاته وأنساقه المعرفية، كما يحرك المعيار ليؤصل التزام الواقع به[46]. وبهذا يصبح مفهوم “الحضارة” معنىً حياديًّا[47]؛ إذ يطلق على كل حضور في الحياة كانت هذه صفاته؛ ومن ثم يصبح لكل حضارة تعريفها الخاص بها، بناءً على نموذجها المعرفي الكامن فيها، وقيمها التي أبدعتها، وبهذا، أيضًا، يتبيَّن أن ما يميز أي حضارة، ليس هو جملة المعارف والصنائع التي تُحدثها، في أثناء تحريكها للحياة، بقدر ما هو جملة المعايير والموازين “القيم” التي تحيط بهذه المعارف والصنائع، وتوجهها، ومن هذا التمايز في “القيم” يأتي “التدافع الحضاري” الذي به تستمر الحياة، وتدوم فاعليتها، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ… [البقرة: 251]

ووفقًا لهذا الأصل، يمكن تعريف الحضارة الإسلامية، بأنها: “كل حضور، يسعى إلى “تحريك الحياة” وفق رؤية الإسلام للإنسان والكون والحياة، ومقاصده في “تحريك الحياة”، ومن خلال نموذجه المعرفي الخاص به، والقائم على: وصل الإنسان بربه، وكذلك وصل الإنسان بأخيه الإنسان، ثم الاستقامة فيالتعامل مع مفردات الكون، انتفاعًا واستثمارًا وائتمانًا”[48].

مفهوم القيم الحضارية

بناء على ما تقدم بيانه، يمكن تعريف القيم الحضارية، بأنها: “جملة المبادئ والأخلاق والأحـكام والتـعاليم والنـظم الاجتـماعية والسـياسية والاقتصـادية، التي تميز حضارةً ما، وتُبَيِّنُ قدرها، وتنظم علاقاتها؛ وتُستمد من الأديان السماوية، والمذاهب الوضعية، أو العرف والعادة، ويتواصى بـها المجتمع، وتتوارثها الأجيال، وتجاهد في سبيلها[49]، أو أنها: “المُثل الروحية والعقلية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية الجديرة بالاهتمام، لما لها من مزايا تجعلها تحظى بالتقدير”[50]. كما يمكن القول: إن مفهوم: “القيم الحضارية في الإسلام” في بنائه التنظيري، يطلق، ويراد به: “المعايير والموازين الموجهة لحركة الإنسان، والضابطة والحاكمة للفعل الحضاري، بكل تنوعاته وامتداداته، وفق رؤية الإسلام ومقاصده في “تحريك الحياة” تحصيلًا للمعية الإلهية، وترسيخًا للذات الإنسانية، واستقامةً في التعامل مع مفردات الكون وعطاءاتها، من خلال فقه شغوف بـ”التوازن والتجرد”، و”أداء الحقوق” و”مراعاة الحرمات ورفيع الأذواق”، و”أخلاق البذل والإيثار”، و”اصطناع المعروف”، و”ابتغاء الفضل وبذله”، و”محاربة الطغيان الحضاري”، و”الاستئثار العمراني”، وبعيدًا عن ألوان التضليل والبغي الحضاري، وأخلاقياته في تحريك الحياة”[51].

المطلب الثاني: أبرز القيم الحضارية للعقيدة القتالية في الفكر الإسلامي

أ. من أعظم القيم الحضارية التي تميزت بها العقيدة القتالية الإسلامية قيمة العدل، التي تُعد أساس السماحة وعماد العلاقات الإنسانية. وقد جعل الله العدل مبدأً لا يتبدل حتى في حالة الحرب: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8]، ومن أروع ما جاء في القرآن في هذا المجال الآية الكريمة التي رسمت حدّ القتال المشروع: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190] وهذه الآية نص صريح على تحريم العدوان، فالقتال في الإسلام ليس عدوانًا ولا استعلاءً؛ بل دفاعًا وردعًا للعدوان، وحماية للإنسان وحقوقه[52].

ب. الرحمة واحترام الكرامة الإنسانية: الرحمة مكوّن أساسي في العقيدة القتالية الإسلامية، وهي قيمة تستمد جذورها من كون الرسول ﷺ “رحمة للعالمين”. وقد تجلت هذه الرحمة في ضوابط الحرب والسلم: النهي عن تعذيب الأسرى أو إيذائهم، ومشروعية إطعام الأسرى والإحسان إليهم، ومنع الاعتداء على النساء والشيوخ والأطفال من يسمون بالمدنيين في عصرنا، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ”[53]. وهذا يدل على تحريم من لا يقاتل ولا يحمل السلاح[54].

ج. قيمة الانضباط قيادة منظمة واتباع واعٍ: العقيدة القتالية الإسلامية قامت على الطاعة الواعية والانضباط العسكري الدقيق، الذي يستند إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصف: 4]، فالصف هنا ليس مجرد تجمّع، بل تنظيم، وانسجام، ووحدة هدف، تجعل من الجيش الإسلامي قوة متماسكة ومهيبة. وقد رسخت السيرة النبوية هذا الانضباط في بدر وأحد والخندق، حيث كان الالتزام بأوامر القيادة جزءًا من العقيدة، لا مجرد سلوك عسكري.

ح. قيمة الإنسانية – الحرب وسيلة لتحقيق السلام: إن العقيدة القتالية الإسلامية تهدف إلى إقامة السلام العادل، لا إلى استمرار الحروب. وقد قرر القرآن قاعدة مهمة: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال: 61]، وهذا يجعل خيار الحرب آخر الخيارات، وليس أولها. فالغاية من القتال إقامة ميزان العدل، لا غزو الشعوب أو نهب ثرواتها. وقد كان هذا واضحًا في وثيقة المدينة، وفي فتح مكة الذي جسّد قيمة العفو: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

خ. المحافظة على العمران: ومن قيم القتال في الإسلام المحافظة على البيئة وعمرانها من التخريب، وذلك بتحريم الإفساد في الأرض، بقطع أسباب الحياة فيها، وتخريب ما يحتاج إليه الناس، مما لا ضرورة في الحرب إليه، مثل: قطع الشجر، وتحريق المزارع، وهدم المنازل، وتخريب العامر وتلويث مياه الشرب، ونحو ذلك مما تفعله بعض الجيوش، نكاية بأعدائها، وانتقامًا منهم، وإن لم تكن بها حاجة إليها[55].

د. قيمة الحرية، تحرير الإنسان لا استعباده: تُعدّ الحرية من أعظم مقاصد الإسلام، وقد جاءت العقيدة القتالية لتحمي هذا المقصد، لا لتعتدي عليه. ومن أعظم الآيات التي عالجت هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ [النساء: 75] فالقتال هنا لحماية المستضعفين من ظلم الطغاة، ولتحرير الإنسان من القهر والاستعباد. لقد كان الجهاد الإسلامي عبر التاريخ مشروعًا للتحرير، وليس أداة استعمار، فقد أسقط أنظمة الاستبداد في فارس والرومان، وفتح باب الحرية الدينية، وأرسى مبادئ العدالة.

ذ. الوفاء بالعهود: ومن القيم الحضارية وجوب الوفاء بالعهود لمن عاهدهم المسلمون، والالتزام بكل ما التزموا به، وتحريم الغدر بكل صوره، واعتباره من خصال النفاق، وأخلاق الكافرين. وكذلك الخيانة في كل أمانة مادية أو أدبية[56]، يقول الله تعالى في كتابه في مدح المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾ [المؤمنون: ٨، المعارج: ۳۲]، ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ميثاق﴾ [الرعد: ٢٠].

الخاتمة

          وبعد، فالحمد لله، تعالى، على ما أنعم ووفق، وأعان وسدَّد، على إتمام هذه الورقة البحثية، التي تناولت موضوعًا له من الأهمية مكانٌ؛ للحاجة إليه في زمان ابتعدت فيه البشرية عن هداية السماء، واستندت في تشريعاتها، الحياتية، ومنها العقيدة القتالية، إلى ما هداها إليه العقل البشري القاصر عن إدراك ما ينفعه، اللاهث وراء رغباته ونزواته الحيوانية، مهما كانت الكُلْفة المادية. ووضحت أن العقيدة القتالية في الفكر الإسلامي قد بُنِيَت على أسس إسلامية خالصة، تهتم بالإنسان، وبالقيم المُهَذِّبَةِ لسلوكه، وكانت، وما زالت، الوسيلة الناجعة لبناء جيل تقوم علـى كـواهله دولـة الإسلام في كل زمان، وفي كل مكان. كما احتوت المبادئ الأصيلة التي قام على أساسها أمـن الدولة والمجتمع بأطيافه كافة، والتي ساعدت المسلمين في مختلف الحقب الزمانية المتعاقبة، على الاستفادة من هذه المبادئ، وتطويرها بما يناسب ملامح التطور للزمان والمكان.

وقد أثمرت هذه العقيدة في نفوس المجاهدين أينع الثمار وأزكاها، فَكَفُّوا عن الاعتداء والبغي على غيرهم بغير حق، ولم يتعرضوا لحجر بالهدم، ولا لشجر بالقطع، أو الحرق، ولم يتعرضوا لحيوان بالقتل، ولم يقتلوا امرأة ولا شيخًا كبيرًا، ولا عاملًا في أرضه، ولا خادمًا، ولا وليدًا، ولا لكل من لم يحمل السلاح ضدهم، فلم يُقتل إلا المُقَاتِلُ، ولم يمثلوا بجثث قتلى عدوهم، فلم يجدعوا أنفًا، ولم يبقروا بطنًا، ولم يقطعوا أُذُنًا، ولم يغدروا في عهد عاهدوا عليه عدوهم، وكانوا أسرع إلى السَّلْم متى جنح أعداؤهم إليه.

وبالنظر في العقيدة القتالية لغير المسلمين، نجد ما تشيب منه النواصي والوِلْدَانُ، من هول آلة التدمير والخراب لكل ما تستطيعه قدراتهم، وما تشتهيه أنفسهم المريضة غير السَّوية؛ إذْ لَا دِينَ لهم يمنعهم من إهلاك الحرث والنسل، وتدمير الحجر، وإفساد الشجر، وقتل الإنسان والحيوان. فهي عقيدة تعتمد التخريب ما أمكن مقاتليها ذلك، والقوة التدميرية هي الأصل الذي تعتمد عليه، والقوة البشرية دونها في الرُّتبة، فهم أحرص الناس على حياة كما صرَّح بذلك القرآن الكريم في آياته. ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَّمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 96] وأصحاب هذه العقيدة في قتالهم على خلاف ما عليه المؤمنون الموحدون في كل شيئ منها، فهم ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبة: 10] وما حرب غزة اليوم عنا ببعيد. وهي خير شاهد على فساد العقيدة القتالية عند غير المسلمين.

هذا، وقد تم التوصل إلى جملة من النتائج والتوصيات، من خلال هذه الدراسة، وهي فيما يلي:

أهم نتائج البحث:

  1. تُبنَى العقيدة القتالية في الفكر الإسلامي، على أسس إيمانية وشرعية ثابتة، وما عداها من العقائد الأخرى مهلك للموارد البشرية، والمادية.
  2. استحضار القيم الكبرى في المعارك الحربية، والاستناد إليها، وتفعيلها، سبب من أسباب النصر، وتطبيق عملي للعقيدة القتالية في الفكر الإسلامي، حيث تقوم هذه العقيدة على العدالة والرحمة.
  3. من العوامل المؤثرة للانطلاق نحو النهضة الحضارية للأمَّة، وتحقيق الشهود الحضاري لها؛ إحياء العقيدة القتالية، كما جاء بها الوحي.
  4. لا غنى عن العقيدة القتالية بأي قوة أخرى، لمن يفقدها، فهي الوقود المحرك للجند، والدافع الذاتي للتضحية والبذل، وتحقيق النصر، كما أن العقيدة القتالية وحدها لا تغني عن الخبرة والاستعداد.
  5. تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تتهم الإسلام بالتخلف والرجعية في المجال العسكري، وتصفه بالهمجية، وتلصق به تهمة العنف والإرهاب، وتشوه معالم صورة الجهاد الإسلامي بكل ما أوتيت من وسائل وأساليب؛ بغية الطعن فيه، والنيل من مكانته.
  6. العقيدة القتالية ذات الطابع الدفاعي البحت، ضعيفة القيمة، لا ترهب عدوًّا، ولا ترد معتديًا، ومتى توفرت القوة الهجومية لأصحاب هذه العقيدة، كانوا أقدر على التهديد وإحداث الرهبة التي تصون الحقوق، وتحافظ على الأرواح والمقدرات.
  7. يتسم التصور الإسلامي للعقيدة القتالية بالتوازن بين القوة اللازمة لحماية الأمة وبين الرحمة التي تُظهرها في التعامل مع الأعداء عقب الانتصار.
  8. تُظْهِرُ العقيدة القتالية في الإسلام فرقًا جوهريًا عن العقيدة في الفكر الغربي، في كونها قائمة على العدالة والإنسانية، بينما العقيدة القتالية في الفكر الغربي تتيح استخدام القوة المفرطة، لتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية.

أهم التوصيات:

  1. وجوب بناء جيش إسلامي، موحَّد، بعقيدة قتالية مستمدة من رسالة الإسلام الشاملة، بحيث يتم توحيد عقيدة الأمة القتالية في إدارتها لحروبها مع أعدائها.
  2. تُوصِي الدراسة بضرورة تعليم الفهم الصحيح للعقيدة القتالية في الإسلام وتطويره في الجامعات والمراكز البحثية الإسلامية، مع إبراز الفرق بينها وبين العقائد العسكرية الأخرى.
  3. إدراج مفاهيم العقيدة القتالية الإسلامية في المناهج التعليمية الخاصة بالعلوم العسكرية، لتوضيح دور الإسلام في الحروب، وكيفية الالتزام بالأخلاق في المعارك.
  4. تُوصِي الدراسة بتعزيز ثقافة السلام وحماية حقوق الإنسان في جميع المؤسسات العسكرية، ويجب التأكيد على أن العقيدة القتالية في الإسلام تحترم الحقوق الإنسانية حتى في أوقات الحرب.
  5. ضرورة إيجاد أطر تعاون فكرية بين الدول الإسلامية لتحسين فهم العقيدة القتالية، وتعزيز العمل المشترك في مواجهة التحديات العسكرية العالمية.
  6. دراسة العسكرية الإسلامية، أو فن إدارة المعارك الحربية، من خلال التعريف بها وبكل ملابساتها، وذلك بمدارسة التراث الإسلامي.

 قائمة المراجع والمصادر

الكتب الورقية

القرآن الكريم

  1. أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، (ت 1353 هـ). تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1410 ه‍ / 1990)
  2. أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، غريب الحديث، تحقيق: الدكتور عبد المعطي آمين القلعجي، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1985م)
  3. أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت 502هـ) المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي (دار القلم، الدار الشامية – دمشق، بيروت، 1412هـ)
  4. أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني، (ت 275 هـ). سنن أبي داود تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (ت 1392 هـ)، (بيروت، صيدا: المكتبة العصرية، د. ت)
  5. أحمد حسن محمد حسين، العقيدة العسكرية الإسلامية.. دراسة ومنهج ومقارنة، (القاهرة: مكتبة وهبة، 1419 هـ/ 1998م)
  6. أحمد عبدربه مبارك بصبوص، ط: 1، (الأردن، الزرقاء: مكتبة المنار: 1407هـ/1986م)
  7. أحمد محمد العليمي با وزير، مرويات غزوة بدر، (المدينة المنورة: 1400هـ/1980م).
  8. أحمد محمد خلف المومني التعبئة الجهادية في الإسلام، (الأردن، عمان: دار الأرقم للنشر والتوزيع 1406هـ ـ 1986م. )
  9. بسام العسلي، المذهب العسكري الإسلامي، (بيروت، لبنان: دار النفـائس ـ 1413هـ/ 1993م)
  10. توفيق محمد سبع، قيم حضارية في القرآن الكريم، (القاهرة: الشركة المصرية للطباعة والنشر، 1392هـ/ 1972م)
  11. جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري ابن منظور، لسان العرب، (بيروت: دار صادر، 2003م)
  12. جمال يوسف الخلفات، العسكرية الإسلامية وقادتها العظام، ط2، (الأردن، الزرقاء: مكتبة المنار، 1983 م)
  13. جمال يوسف الخلفات، بهاء الدين محمد أسعد، العسكرية الإسلامية وقادتها العظام، ط، 2 (الأردن، الزرقاء: مكتبة المنار، 1403هـ/ 1983م)
  14. حسين مؤنس، الحضارة، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 1، (الكويت: 1978م
  15. سليم شاكر الأمامي، العرب والحرب، (الأردن، عمَّان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان، الأردن، 1995م)
  16. عبد المنعم ماجد، التاريخ السياسي للدولة العربية، ط 4، (القاهرة: الأنجلو المصرية، 1971م).
  17. عزمي طه السيد، وآخرون، الثقافة الإسلامية، (الأردن، عَمَّان: دار المناهج، 1996م)
  18. عماد الدين خليل، موفق سالم النوري، مدخل إلى الثقافة الإسلامية، (الموصل: دار ابن الاثير للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1425هـ/ 2004م)
  19. غازي إسماعيل المهر، مبادئ الحرب في صدر الإسلام، (الأردن: دار الفرقـان للطباعـة النشر والتوزيع، 1994م. )
  20. مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، (دمشق: دار الفكر، ط 4، 1984م).
  21. مجموعة من المؤلفين، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط: 4، (القاهرة، 1425هـ/ 2004م)
  22. محمد بشير محمد البشير، القيم الحضارية، مفهومها وأهميتها ووسائل تطبيقها في السنة النبوية، مجلة دراسات دعوية، العدد: 15، (المحرم 1429هـ/ يناير 2008م)
  23. محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، الجامع الصحيح المختصر، ط2، (بيروت: دار ابن كثير، اليمامة، 1407هـ/ 1987م)
  24. محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح) تحقيق: مركز البحوث وتقنية المعلومات، (القاهرة: مدينة نصر: دار التأصيل، 1433هـ/ 2012م)
  25. مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ الضَّحَّاكِ بْنُ عِيسَى السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ، سنن الترمذي (الجامع الكبير) دراسة وتحقيق: مركز الدراسات وتقنية المعلومات، دار التأصيل: ط 2، (القاهرة: 1437هـ/2016م)
  26. محمد جمال الدين علي محفوظ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية، ط: 2، (القاهرة: دار الاعتصام، 1976م).
  27. محمد جمال الدين علي محفوظ، النظرية الإسلامية في العقيدة العسكرية، (القاهرة: دار الاعتصام، د. ط، د. ت)
  28. محمد خزعلي، القيم التربوية في ضوء الرؤية القرآنية، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، عدد: 25، أيلول 2011م.
  29. محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1989).
  30. محمد عبد الفتاح الخطيب، قيم الإسلام الحضارية، سلسلة كتاب الأمة، العدد: 139، رمضان: 1431هـ.، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، قطر.
  31. محمد عبد القادر أبو فارس، المدرسة النبوية العسكرية، (الأردن، عمان: دار الفرقان للطباعة والنشر والتوزيع، 1413هـ/ 1993م. )
  32. محمد عياد قريع، القيم الحضارية الخالدة في الإسلام، المجلة الجامعة، العدد: 7، (2005م).
  33. محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس. تحقيق: جماعة من المختصين، من إصدارات: وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت. أعوام النشر: (1385 – 1422 هـ) = (1965 – 2001 م)
  34. محمود شيت خطاب، الرسول القائد، ط: 5، (دار الفكر ـ بيـروت: 1989م).
  35. محمود شيت خطاب، العسكرية العربية الإسلامية، (الدوحة: مطابع الدوحـة الحديثـة، 1403هـ)
  36. محمود شيت خطاب، بين العقيدة والقيادة، (دمشق: دار القلم، بيروت: الدار الشامية: 1419، هـ/ 1998م).
  37. محمود شيت خطاب، وآخرون، اقتباس النظام العسكري في عهد النبي، ، (الدوحة: مطابع قطر الوطنية، د. ت)
  38. مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ﷺ. ت: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، (الرياض: دار طيبة، 1427هـ/2006م)
  39. نصر محمد عارف، الحضارة، الثقافة، المدنية، دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، ضمن: بناء المفاهيم دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، إشراف: د. علي جمعة، ود. سيف الدين عبد الفتاح، (القاهرة: دار السلام، 1429هـ/ 2008م)
  40. وليد محمد جرادات. استراتيجية الفتوحات الإسلامية، (السعودية: عالم الكتب، 1997م)
  41. ياسين سويد، الفن العسكري الإسلامي أصوله ومصادره، ط: 2، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1411هـ/1990 م).
  42. يوسف القرضاوي، فقه الجهاد، دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسُّنَّة، (القاهرة: مكتبة وهبة، 2009م) وهبة الزحيلي، آثار الحرب في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة، ط: 3، (دمشق: دار الفكر، 1998) ص75-147.

الكتب الإلكترونية

  1. ابن عبد البر – أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار. على الرابط الإلكتروني: https: //www. islamweb. net/ar/library/.
  2. أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، الموقع الإلكتروني: https: //www. islamweb. net/ar/library/
  3. عرفة بن طنطاوي، المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي، كتاب إلكتروني بترقيم الشاملة، المكتبة الشاملة، على الرابط: https: //shamela. ws/book/756
  4. العقيدة العسكرية.. ما هي؟ وما أنواعها؟ وما مرتكزاتها؟: مقال على موقع “الجزيرة نت” https: //www. aljazeera. net/encyclopedia/2022/10/17/.
  5. محمد آل رميح، مقاصد القتال في الإسلام، (د. ت، د. ط) بحث علمي على موقع مكتبة نور الإلكتروني. https: //www. noor-book. com.

الرسائل الجامعية

  1. نهاد يوسف الثلاثيني، الجامعة الإسلامية – غزة عمادة الدراسـات العليـا كلية أصـول الديـن، قسم الحديث وعلومـه. بحث مقدم استكمالًا لمتطلبات درجة الماجستير في الحديث الشريف وعلومه 1428هـ ـ 2007م. إشراف الأستاذ الدكتور إسماعيل سعيد رضوان.

المقالات الإلكترونية

  1. اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949. https: //www. ohchr. org/ar/instruments-mechanisms/instruments/geneva-convention-relative-protection-civilian-persons-time-war
  2. حسن سليمان. مقاصد الجهاد وغاياته، مقال على موقع: مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية، نوفمبر 23، 2023، على الرابط: https: //shuhoud. com//
  3. محمود سلطان، نظرات في العقيدة القتالية في الإسلام، مقال، ضمن موضوعات مجلة البيان، المكتبة الشاملة: جمادى الآخرة، 1421هـ. https: //shamela. ws/book/1541/3612

[1] . أركان دولة المدينة تمثّلت في: وجود الأرض، والمجتمع (المسلمون، أوس وخزرج، ومهاجرون) والدستور، والسلطة الحاكمة المتمثّلة في شخص النبيّ ﷺ. الباحث.

[2] . إيلاف مصدر آلف، وتعني: العهد، والميثاق، والإجازة، والحَلف، كما تعني: عهد الأمان، وهو عهد يؤخذ لتأمين خروج التّجار من أرضٍ إلى أرض، كما يفهم ذلك من قول الله تعالى: “لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ”. سورة قريش:1. انظر: المعجم الوسيط، مجموعة من المؤلّفين، مجمع اللغة العربيّة، ط: 4، (القاهرة، 1425هـ/ 2004م) ص: 24.

[3] . البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، الجامع الصحيح المختصر، ط2، (بيروت: دار ابن كثير، اليمامة، 1407هـ/ 1987م) برقم: (3168)، وانظر: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ﷺ. ت: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، (الرياض: دار طيبة، 1427هـ/2006م)، برقم: (1637) وقد وردت أحاديث أخرى تدلّ على المعنى نفسه، منها:

أ- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (لأُخْرِجَنَّ اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلّا مسلمًا) أخرجه مسلم (1767).

ب- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال: آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ ﷺ: (أخرجوا يهودَ أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في “التمهيد”(1/169)، ومحققو المسند، والألباني في “السلسلة الصحيحة” (1132). والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث: الجزيرة العربية كلّها، التي يحيط بها البحر الأحمر، والخليج العربيّ، والمحيط الهنديّ، وتنتهي شمالًا إلى أطراف الشام والعراق.

[4] . أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، باب الميم “محمد بن شهاب الزهري” مراسيل ابن شهاب عن نفسه، الحديث الثاني لا يجتمع دينان في جزيرة العرب. ج12/ ص 13، برقم: 1651. انظر: الموقع الإلكتروني: https://www.islamweb.net/ar/library/، تم الدخول في تاريخ: 6/4/205 وانظر: ابن عبد البر – أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار. ج 26/ ص: 60، برقم: 1651 1652. على الرابط الإلكتروني: https://www.islamweb.net/ar/library/، تمّ الدخول في تاريخ: 6/4/205

[5] . ياسين سويد، الفنّ العسكريّ الإسلاميّ أصوله ومصادره، ط:2، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1411هـ/1990م). ص: 357. بتصرّف.

[6] . محمد جمال الدين علي محفوظ، مرجع سابق، ص: 24.

[7] . جمال يوسف الخلفات، بهاء الدين محمد أسعد، العسكريّة الإسلاميّة وقادتها العظام، ط،2 (الأردن، الزرقاء، مكتبة المنار، 1403هـ/ 1983م) ص: 87.

[8] . سليم شاكر الأمامي، العرب والحرب، (الأردن، عمَّان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان، الأردن، 1995م). ص: 70.

[9] . أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري ابن منظور، لسان العرب، (بيروت: دار صادر،2003م) 10/221. مادة (عقد)

[10] . أحمد عبدربه مبارك بصبوص، مرجع سابق، ص: 32. وانظر: محمود شيت خطاب، بين العقيدة والقيادة، (دمشق: دار القلم، بيروت: الدار الشامية، 1419هـ/ 1998م). ص41.

[11] . أحمد حسن محمد حسين، العقيدة العسكرية الإسلاميّة.. دراسة ومنهج ومقارنة، (القاهرة: مكتبة وهبة، 1419 هـ/ 1998م) ص:11.

[12] . أحمد عبدربه مبارك بصبوص، مرجع سابق، ص: 69-71. بتصرف.

[13] . البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح) تحقيق: مركز البحوث وتقنية المعلومات، كتاب: السير، باب: مَنْ قاتل للمغنم، هل يَنْقُصُ من أجره؟ حديث رقم: 3136، (القاهرة: مدينة نصر: دار التأصيل، 1433هـ/ 2012م) 4/ 227.

[14] . أحمد عبدربه مبارك بصبوص، مرجع سابق، ص: 69-83، بتصرف. وانظر: وليد محمد جرادات. استراتيجية الفتوحات الإسلامية، (السعودية: عالم الكتب، 1997م) ص: 18.

[15] . أحمد عبدربه مبارك بصبوص، مرجع سابق، ص 40، 41.

[16] . محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1989) ص 24، 25.

[17] . يقول د. عبد المنعم ماجد: إنه «لا يوافق بعض المستشرقين في قولهم إن العرب كانوا مدفوعين نحو الفتوح بالحماس الديني، فمن غير المعقول أن يخرج البدوي وهو لا يهتم بالدين لنشر الإسلام»، انظر: التاريخ السياسي للدولة العربية، ط 4، (القاهرة: الأنجلو المصرية، 1971م) ص 136.

[18] . انظر: أحمد محمد العليمي با وزير، مرويات غزوة بدر، (المدينة المنورة: 1400هـ/1980م) ص 157، 165.

[19] . محمود سلطان، نظرات في العقيدة القتاليّة في الإسلام، مقال، ضمن موضوعات مجلّة البيان، المكتبة الشاملة: https://shamela.ws/book/1541/3612، جمادى الآخرة، 1421هـ، ج: 154 ص: 130، بتصرّف. تمّ الدخول إلى الموقع بتاريخ: 25/5/2025م.

[20] . انظر: محمد جمال الدين علي محفوظ، مرجع سابق، ص 55.

[21] . محمود شيت خطاب، العسكرية العربية الإسلامية، (الدوحة: مطابع الدوحـة الحديثـة، 1403هـ)، ص: 55- 57، بتصرف.

[22] . روى أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان النبِيُّ ﷺ، أحسنَ الناسِ وأَجْوَدَ الناسِ وأَشْجَعَ الناسِ ولقدْ فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ فانطلقَ الناسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلهُمُ النبيُّ ﷺ، قد سَبَقَ الناسَ إلى الصَّوْتِ وهوَ يقولُ: “لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا” وهوَ على فَرَسٍ لِأَبي طلحةَ عُرْيٍ ما عليهِ سَرْجٌ في عُنُقِهِ سَيْفٌ فقال لقدْ وجَدْتُهُ بَحْرًا أوْ إنَّهُ لَبَحْرٌ، يَعْنِي الفَرَسَ” ومعنى لَم تراعوا: أي لا فزع ولا روع. انظر: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، غريب الحديث، تحقيق: الدكتور عبد المعطي آمين القلعجي، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1985م) 1/421، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الوحي، باب: الحمائل وتعليق السيف في العنق برقم: (3040)، (2908)، وفي صحيح الأدب المفرد ص:232 حديث رقم: 303، واللفظ له.

[23] . محمد جمال الدين علي محفوظ، مرجع سابق، ص 178.

[24] . ياسين سويد، الفن العسكري الإسلامي أصوله ومصادره، ط: 2، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1411هـ/1990 م) ص: 366.

[25] . انظر: أحمد محمد خلف المومني التعبئة الجهادية في الإسلام، (الأردن، عمان: دار الأرقم للنشر والتوزيع 1406هـ ـ 1986م.) ص: 37.

[26] . محمود شيت خطاب، وآخرون، اقتباس النظام العسكري في عهد النبي، ﷺ، (الدوحة: مطابع قطر الوطنية، د.ت) ص: 209.

[27] . انظر: أحمد محمد خلف المومني، مرجع سابق، ص: 40.

[28] . عمير بن الحُمامِ الأَنصارِي: بضم المهملة وتخفيف الميم بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي ذكره موسى بن عقبة وغيره فيمن شهد بدرا. انظر: أحمد بن علي بن محمد، بن حجر العسقلاني، (4/715)، مرجع سابق.

[29] . قَرْنِهِ: أي جعبته ويجمع على أقرن وأقران كجبل وأجبل وأجبال. انظر: النهاية في غريب الأثر (1/55) مرجع سابق.

[30] . صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد: (1/1510،1901) وأخرجه أبو داود (2618) بلفظه، وأحمد (12398) كلاهما مطوّلًا. انظر: الموسوعة الحديثية على الرابط: https://dorar.net/hadith/sharh/33044، تمّ الدخول إلى الموقع بتاريخ:2/3/2025.

[31] . انظر: محمود شيت خطاب، الرسول القائد، ط: 5، (دار الفكر ـ بيـروت: 1989م). ص: 48.

[32] . انظر: أحمد محمد خلف المومني، مرجع سابق. ص: 37، 38.

[33] . صحيح البخاري، كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، حديث رقم: (6577). مرجع سابق.

[34]. محمود سلطان، نظرات في العقيدة القتالية في الإسلام، الكتاب ١٥٤ (جمادى الآخرة 1412هـ) ج: 154، ص: 130 بتصرف. https://shamela.ws/book/1541/3612 تم الدخول للموقع بتاريخ: 30/5/2025م.

[35] . العقيدة العسكرية.. ما هي؟ وما أنواعها؟ وما مرتكزاتها؟: مقال على موقع “الجزيرة نت” https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2022/10/17/، بتصرف. تم الدخول للموقع بتاريخ: 12/4/2025م.

[36] . محمد جمال الدين علي محفوظ، النظرية الإسلامية في العقيدة العسكرية، (القاهرة: دار الاعتصام، د. ط، د. ت)

[37] . خلاصة فهم الباحث من خلال قراءاته حول الموضوع.

[38] . خلاصة فهم الباحث من خلال قراءاته حول الموضوع.

[39] . ينظر في ذلك: يوسف القرضاوي، فقه الجهاد، دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسُّنَّة، (القاهرة: مكتبة وهبة، 2009م) مبحث: مبادئ أخلاقيات القتال في الإسلام، 1/ 748-771. وينظر: وهبة الزحيلي، آثار الحرب في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة، ط: 3، (دمشق: دار الفكر، 1998) ص75-147. وينظر: حسن سليمان. مقاصد الجهاد وغاياته، مقال على موقع: مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية، نوفمبر 23, 2023، على الرابط: https://shuhoud.com//، تم الدخول إلى الرابط بتاريخ: 6/3/2025م، وانظر: محمد آل رميح، مقاصد القتال في الإسلام، (د. ت، د. ط) المبحث الثاني من: ص: 24- 41، بحث علمي على موقع مكتبة نور الإلكتروني. https://www.noor-book.com، تم الدخول إلى الرابط بتاريخ: 8/3/2025م

[40] . محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس. تحقيق: جماعة من المختصين، من إصدارات: وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت. أعوام النشر: (1385 – 1422 هـ) = (1965 – 2001 م) وصَوّرتْ أجزاءً منه: دار الهداية، ودار إحياء التراث وغيرهما. فصل القاف مع الميم، 33/312. وينظر: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت 502هـ) المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي (دار القلم، الدار الشامية – دمشق، بيروت، 1412هـ) ص: 691.

[41] . محمد عبد الفتاح الخطيب، قيم الإسلام الحضارية، سلسلة كتاب الأمة، العدد: 139، رمضان: 1431هـ.، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، قطر. ص: 19، 20.

[42] . محمد خزعلي، القيم التربوية في ضوء الرؤية القرآنية، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، عدد: 25، أيلول 2011م، ص: 68. بتصرف يسير.

[43] . توفيق محمد سبع، قيم حضارية في القرآن الكريم، (القاهرة: الشركة المصرية للطباعة والنشر، 1392هـ/ 1972م) 2/7. بتصرف

[44] . ينظر: مرتضى الزبيدي، 11/41، وما بعدها، مرجع سابق.

[45] . ينظر في ذلك: حسين مؤنس، الحضارة، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 1، (الكويت: 1978م) ص: 13. وينظر: عماد الدين خليل، موفق سالم النوري، مدخل إلى الثقافة الإسلامية، (الموصل: دار ابن الأثير للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1425هـ/ 2004م) ص: 16. وينظر: عزمي طه السيد، وآخرون، الثقافة الإسلامية، (الأردن، عَمَّان: دار المناهج، 1996م) ص: 57.

[46] . ضرورة التفرقة بين الحضور والوجود، فالأمة قد “توجد”، مكتفية بذاتها، منغلقة على نفسها، أو مفعولًا بها، غير مؤثِّرة فيما حولها، لكنها لن تكون “حاضرة” إلا إذا خرجت من حيِّز “الوجود” إلى حيِّز “الحضور” بما يعنيه ذلك من الشهود والوعي والتأثير، وطرح رؤية للعالم، وتجاوز الذات، ومحاولة الإسهام بفاعلية، وليس انفعالًا وتلقِّيَا، أو تكرارًا واجترارًا، أو انغلاقًا وتقوقعًا. ينظر: مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، (دمشق: دار الفكر، ط 4، 1984م) ص: 21، وما بعدها.

[47] . المراد بالتعريف الحيادي: أي، الذي لا يحمل معنًى قيميًّا في ذاته وأصل بنائه، فلا يدل على رُقيٍّ أو غيره، ولا توصف الحركة الحضارية بالسلب ولا بالإيجاب إلا من خلال مقصودها ومآلات أحوالها. ينظر في تحقيق هذا المصطلح، وتتبُّع سيرورته: نصر محمد عارف، الحضارة، الثقافة، المدنية، دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، ضمن: بناء المفاهيم دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، إشراف: د. علي جمعة، ود. سيف الدين عبد الفتاح، (القاهرة: دار السلام، 1429هـ/ 2008م) 1/260-301.

[48] . محمد عبد الفتاح الخطيب، مرجع سابق، ص: 22،21. بتصرف.

[49] . محمد بشير محمد البشير، القيم الحضارية، مفهومها وأهميتها ووسائل تطبيقها في السنة النبوية، مجلة دراسات دعوية، العدد: 15، (المحرم 1429هـ/ يناير 2008م) ص: 7.

[50] . محمد عياد قريع، القيم الحضارية الخالدة في الإسلام، المجلة الجامعة، العدد: 7، (2005م) ص: 162.

[51] . محمد عبد الفتاح الخطيب، مرجع سابق، ص: 25،24. بتصرف.

[52] . يوسف القرضاوي- فقه الجهاد في الإسلام، 1/748، وما بعدها.

[53] . محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح) كتاب: فضل الجهاد والسير، باب: قتل الصبيان في الحرب، وباب: قتل النساء في الحرب. حديث رقم: 3029، 3030، 4/ 162. مرجع سابق.

[54] . يوسف القرضاوي- فقه الجهاد في الإسلام، 1/750.

[55] . يوسف القرضاوي- فقه الجهاد في الإسلام، 1/750.

[56] . يوسف القرضاوي- فقه الجهاد في الإسلام، 1/764.